loading...
نت ایران
نت ایران بازدید : 25 یکشنبه 30 اردیبهشت 1403 نظرات (0)
حضرت آیت‌الله خامنه‌ای خطبه‌های دوم نماز جمعه امروز تهران را به عربی ایراد كردند.

متن كامل این خطبه‌ها به زبان عربی به شرح زیر است:

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبیّنا محمد و علی آله الطاهرین، و صحبه المنتجبین، و من تبعهم بإحسان إلی یوم الدین.

یا أبناء أمتنا الإسلامیة فی كل مكان

السلام علیكم جمیعاً ورحمة الله

أغتنم فرصة شهر ربیع الأول ، واقتراب أسبوع المولد النبوی، والذكرى الأولى لربیع الصحوة الإسلامیة، ونهضة إخوتنا العرب رجالاً ونساءً من مصر وتونس ولیبیا حتى البحرین والیمن والأردن وبعض البقاع الإسلامیة الأخری، لأتقدم باسم الشعب الإیرانی وجمیع المسلمین فی العالم بأحرّ التهانی وأطیب التبریك.

مرّ عام مفعم بالحوادث، فلأول مرّة فی تونس ومصر روعیت حرمة رأی الشعب، وأدلت الجماهیر بصوتها للتیار الإسلامی. وسیكون الأمر فی لیبیا على هذا النحو أیضاً. وهذا التوجه الإسلامی المتصف برفض الصهیونیة والدكتاتوریة، وبطلب الاستقلال والحریة والتقدم تحت رایة القرآن، سیكون المسیر الحتمی والإرادة الحاسمة لجمیع الشعوب الإسلامیة. هذه الموجة التی فتحت صفحة جدیدة فی تاریخ إیران الإسلام أیضاً قبل ثلاثة عقود فی مثل هذه الأیام (الثانی والعشرین من شهر بهمن المصادف للحادی عشر من شباط) وأنزلت أول ضربة بجبهة أمریكا والناتو والصهیونیة، وأطاحت بأكبر دكتاتور علمانی عمیل فی المنطقة.. أصبحت فی الأیام نفسها وبالطریقة ذاتها وبالمطالیب عینها تعمّ الشرق الأوسط الإسلامی والعربی بأجمعه و الحمد لله.

إنّ إرادة الله سبحانه شاءت لهذه الشعوب أن تستیقظ. فقد حلّ قرن الإسلام وعصر الشعوب، وسیكون له التأثیر على مصیر كل البشریة. أما كان تدفّق الشباب والمثقفین فی واشنطن ولندن ومدرید وروما وأثِنا بإلهام من میدان التحریر؟!

لقد عمّت نهضة العودة إلى الإسلام واستعادة العزّة والهویّة والانعتاق أكثر مناطق العالم الإسلامی حساسیّة، وفی كل مكان یرتفع شعار «الله أكبر». الشعوب العربیة لم تعد تتحمل الحاكم الدكتاتور وسیطرة العملاء والطواغیت. لقد ضاقت ذرعًا بما تعانیه من فقر وتخلّف وتحقیر وعمالة. وجرّبت العلمانیة فی ظل الاشتراكیة واللیبرالیة والقومیة، ورأت أنها جمیعاً وصلت إلى طریق مسدود. الشعوب العربیة طبعاً ترفض أیضاً التطرف والعنف الطائفی والعودة إلى الوراء، والنعرات المذهبیة والسطحیة الساذجة المغلَّفة بالإسلام.

انتخابات تونس ومصر وشعارات وتوجّهات الشعوب فی الیمن والبحرین وسائر البلدان العربیة تدلّ بوضوح أنهم یریدون أن یكونوا مسلمین معاصرین دونما إفراط متعجرف أو تفریط متغرّب، وبشعار «الله أكبر» یریدون ضمن مشروع إسلامی وبالتألیف بین المعنویة والعدالة والتعقّل وبأسلوب السیادة الشعبیة الدینیة، أن یتحرّروا من قرن من التحقیر والاستبداد والتخلّف والاستعمار والفساد والفقر والتمییز. وهذا هو الطریق الصحیح.

ما هی خصائص الأنظمة العربیة التی تعرضت لغضب شعوبها؟

إنها معارضة التوجه الدینی، والخضوع، والاستسلام والعمالة للغرب.. أی أمریكا وبریطانیا ونظائرهما، والتعاون مع الصهاینة وخیانة القضیة الفلسطینیة، والتسلط الدكتاتوری الأسَری والوراثی، وفقر العباد وتخلّف البلاد، إلى جانب الثروات الطائلة للعوائل الحاكمة، والتمییز وانعدام العدالة، وفقدان الحریة القانونیة والمسائلة القانونیة، كل هذه من الخصائص المشتركة لتلك الأنظمة.

حتى التظاهر بالإسلام أو الجمهوریة فی بعض المواضع لم یستطع أن یخدع الجماهیر. هذه أوضح العلامات لمعرفة طبیعة نهضة الشعوب العربیة، سواء تلك التی حققت انتصارات كبیرة، أو التی ستحقق ذلك بإذن الله تعالى.

كل ادعاء آخر بشأن طبیعة هذه الثورات التی انطلقت بشعار «الله اكبر» إنما هو تجاهلٌ للواقع من أجل أهداف مبطَّنة وبالتالی لدفع هذه الثورات نحو الانحراف.

هذه الأصول ستكون معیاراً لمستقبل هذه الثورات ومیزانًا لمدى أصالتها أو انحرافها، فإن الأشیاء تُعرف بأضدادها، وتعرف الثورات بضدّیتها للأنظمة التی تزلزلت بفعلها. الثوریون یجب أن یواصلوا حذرهم من افتعال الأهداف الموهومة ومن محاولات تغییر الشعارات.

إنّ الغرب یسعى دون شك إلى أن یبدّل الثورات إلى ثورات مضادّة، ویحاول فی النهایة أن یرمّم النظم القدیمة بأسلوب جدید، لیبُقی سیطرته على العالم العربی لعشرات أخرى من السنین، وذلك بتفریغ مشاعر الجماهیر وبالتقدیم والتأخیر بین الأصول والفروع، وتغییر صنائعه وإجراء إصلاحات شكلیة متصنّعة، والتظاهر بالدیمقراطیة.

إنّ الغرب خلال عقود الیقظة الإسلامیة وخاصة فی السنوات الأخیرة بعد أن مُنی بهزائم متلاحقة من إیران وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطین والآن من مصر وتونس وغیرها، سعى بعد فشله فی نهج محاربة الإسلام واللجوء إلى العنف العلنی، إلى نهج آخر وهو اصطناع البدیل الكاذب والنموذج المزیّف، كی یجعل الإرهاب المعادی للإنسانیة بدل العملیات الاستشهادیة، و یجعل التعصب والتحجّر والعنف بدل التوجه الإسلامی والجهاد، والتعصب القومی والقبلی بدل الشعور بالانتماء الإسلامی والانتماء إلى الأمة الإسلامیة، و یجعل التغرّب والتبعیة الاقتصادیة والثقافیة بدل التطور القائم على أساس الاستقلال، والعَلمانیة بدل العِلمیّة، والمداهنة بدل العقلانیة، والفساد والفوضى بدل الحریة، والدكتاتوریة باسم حفظ الأمن والنظام، والروح الاستهلاكیة والالتصاق بالأهداف الدنیویة التافهة والبذخ باسم التنمیة والرقی، والفقر والتخلف باسم الزهد والمعنویة.

إن ما كان علیه العالم من انقسام إلى قطبین متصارعین حول القوة والثروة وهما الرأسمالیة والشیوعیة قد انتهى، والیوم فإن الاستقطاب بین مستضعفی العالم بقیادة النهضة الإسلامیة وبین المستبكرین بقیادة أمریكا والناتو والصهیونیة.

لقد برز إلى الساحة معسكران ولا معسكر ثالثاً لهما.

لا أرید فی هذه الفرصة القصیرة أن استغرق فی استعراض الماضی وفی تثمین یقظة الشعوب العربیة. إننا والعالم بأجمعه دون شك نرنو إلى المنطقة، وننظر بعین التقدیر لشعوبها الناهضة من الجزیرة العربیة وحتى شمال أفریقیا. لكنی أرید أن أتحدث عن الحاضر والمستقبل.

إننی فی العام الماضی ومن هذا المنبر فی صلاة الجمعة تحدثت إلى الشعب المصری النبیل حین كان ظلّ اللامبارك حسنی یثقل على رؤوسهم، والیوم قد بدأت مرحلة جدیدة والدكتاتور یمثل أمام المحكمة، وكلنا یحدونا الأمل بمستقبل نهضة مصر العزیزة وسائر العرب النشامى.

أطرح أولاً هذا السؤال: ماهی الأطراف المختلفة الحاضرة فی ساحة الثورات؟

إنها طبعاً أولاً: أمریكا والناتو والنظام الصهیونی ومن لفّ لفهم وانخرط معهم فی بعض الأنظمة العربیة.

وثانیاً: الجماهیر عامة والشباب.

وثالثاً: الأحزاب والناشطون السیاسیون الإسلامیون وغیر الإسلامیین.

وما هی مكانة كل واحد من هذه الأطراف وما هی أهدافه؟

الفریق الأول: هم الخاسرون الأصلیون فی مصر وتونس وفی سائر البلدان الناهضة.

إنّ مشروعیة وها هی الیوم موجودیّة القطب الرأسمالی والنموذج اللیبرالی الدیمقراطی الغربی یتعرض فی داخل أوربا وأمریكا أیضاً لخطر الاضمحلال. وأصبحت بلدان هذا المعسكر فی وضع یشبه وضع المعسكر الشرقی فی الثمانینات من القرن الماضی. فالانهیارات الأخلاقیة والاجتماعیة، والأزمات الفریدة الاقتصادیة، والهزائم العسكریة الكبرى فی العراق وأفغانستان ولبنان وغزّة، وسقوط أو تزلزل أكثر النظم الدكتاتوریة العمیلة التابعة لهم فی البلدان المسلمة والعربیة، وخاصة فقدانهم مصر، وتعرض الكیان الصهیونی للخطر من الشمال والغرب ومن داخله بشكل لم یسبق له نظیر، وانفضاح طبیعة التبعیة والذیلیة للمنظمات الدولیة، والتعامل السیاسی والمزدوج مع مسألة الدیمقراطیة وحقوق الإنسان، ووقوعهم فی المواقف المتناقضة والمضطربة والمزدوجة تجاه مسائل لیبیا ومصر والبحرین والیمن. كل ذلك قد عرّض هذه المجموعة الأولى إلى أزمة ثقة عالمیة وأزمة عمیقة فی قدرة اتخاذ القرار.

إنّ هدفهم الأكبر الیوم بعد عجزهم عن قمع الشعوب والسیطرة علیها هو السعی للسیطرة على غرفة قیادة الثورات واختراق الأحزاب الفاعلة، وحفظ ما أمكن من هیكل الأنظمة الفاسدة الساقطة والاكتفاء بالإصلاحات السطحیة والمسرحیة، وإعادة بناء عملائهم فی داخل البلدان الثائرة، ثم اللجوء إلى عملیات تطمیع وتهدید. وقد یلجأون فی المستقبل إلى الاغتیالات أو شراء ذمم بعض الأفراد والجماعات من أجل وقف عجلة الثورات أو دفعها إلى الخلف، وبثّ الیأس فی قلوب الجماهیر أو إشغالها بصراعات داخلیة بإثارة مسائل فرعیة، وإضرام نیران العصبیات القومیة والقبلیة أو الدینیة أو الحزبیة واختلاق الشعارات المنحرفة لتغییر الثورات، والتأثیر المباشر أو غیر المباشر على أذهان الثوریین وألسنتهم، ودفعهم إلى ألاعیب سیاسیة أو إثارة الفُرقة بینهم ثم توسیع نطاق هذه التفرقة لتشمل فئات الناس، والسعی للمساومة خلف الكوالیس مع بعض الخواص بالوعود الكاذبة كالمساعدات المالیة وغیرها وغیرها من عشرات الحیل الأخرى مما أشرت إلى نماذج منها من قبل فی المؤتمر العالمی للصحوة الإسلامیة بطهران.

إنّ بعض الأنظمة التابعة والمحافظة العربیة أیضاً تقف إلى جانب أمریكا والناتو، ولو من أجل حفظ كراسیها، وتسعى بكل قواها لإیقاف عجلة الزمن ودفع ثورات المنطقة إلى الوراء أو سوقها نحو طریق مجهول، ورأسمالهم الوحید فی هذه المساعی دولارات النفط، وهدفهم الأساس هزیمة الشعوب فی مصر وتونس والیمن والبحرین.. وحفظ ثبات الكیان الصهیونی وضمان بقائه وإنزال الضربة بجبهة المقاومة فی المنطقة.

أما المجموعة الثانیة والأصلیة فهی الشعوب.

ماذا ترید الشعوب؟

أرقام الإحصائیات الأمریكیة المكررة فی مصر وأكثر البلدان الإسلامیة تكشف عن الواقع وتقول لهم: إن میزان التوجه نحو المساجد والالتزام بالمظاهر الإسلامیة ومنها الحجاب والزیّ الإسلامی للمرأة قد ازداد - خلال السنوات الخمس من ألفین وثلاثة إلى ألفین وثمانیة- بنسبة أربعین إلى خمس وسبعین بالمائة بین الشعوب من مصر والأردن حتى تركیا ومالیزیا وغیرها من البلدان الإسلامیة.

كما ازداد میزان السخط والنفور من أمریكا بمعدل خمس وثمانین بالمائة فی البلدان العربیة والإسلامیة وقد تضاعف الأمل بالنصر والمستقبل بین الشباب خاصة بعد مشاهدة انتصارات شباب حزب الله وحماس فی حربی الثلاثة والثلاثین یوماً والإثنین وعشرین یوماً وبعد اندحار وهزیمة أمریكا دونما مكاسب من العراق.

الشخصیات المحبوبة بین شباب مصر، وفق تلك الإحصائیات، هم المجاهدون المسلمون ضد الكیان الصهیونی.

النفرة من الصهیونیة، والاهتمامُ بالقضیة الفلسطینیة والتمسكُ بالعزّة الإسلامیة من الخصائص الأصلیة للشعوب. خمسٌ وسبعونَ بالمائة من الشعب المصری أدلى بصوته لصالح الشعارات الإسلامیة. فی تونس أیضاً رفعت الأكثریة هذا اللواء، وفی لیبیا فإن النسبة إن لم تكن أكثر فلیست بأقل. والشعوبُ تطلب من مندوبیها ومن الحكومات الجدیدة تحقیقَ هذه الأهداف نفسِها أیضاً فی المستقبل. الشعب یرید مصرَ عزیزةً كریمة ومحترمة وحرّة، لا یرید مصر كمب دیفید. لا یرید مصرَ الفقیرةَ والتابعة، لا یرید مصرَ الخاضعةَ لأوامر أمریكا والحلیفة لإسرائیل، لا یرید مصرَ متحجرةً ومتطرفةً ولا مصر متغرّبةً وعلمانیةً وتابعة. مصرُ الحرةُ العزیزة والإسلامیة والمتطورةُ هی المطلبُ الأساس للشعب والشباب ولا یبغون اصطداماً. جیشُ مصر مع الشعب، وهناك فی داخل مصر وخارجها من یرید الوقیعةَ بین الجیش والشعب فی المستقبل، على الجمیع أن یكونوا على حذر شدید. الجیش المصری سوف لا یتحمّل? نفوذ أمریكا وحلفاء إسرائیل.

كذلك فإن الحدیث حین یدور حول التوجه الإسلامی فی مصر أو تونس أو لیبیا فإنه إسلام رسول الله (صلى الله علیه وآل وسلم) هذا الإسلام الذی شمل فی المدینة أهلَ الذمة من المسیحیین والیهود بالرحمة والأمن، ولیس الإسلام بمعنى إثارة الحروب الدینیة بین عباد الله، ولا بمعنى الحرب المذهبیة والطائفیة بین المسلمین. مصر هی مصر دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة والشیخ شلتوت.

على أهلنا فی مصر وتونس ولیبیا أن یعلموا أن ما حققوه هو ثورة لم تكتمل، فهم وإن قطعوا خطوات رحبة، فإنهم فی بدایة طریق ذات الشوكة. العقبات التی أوجدوها أمامنا بعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران ولا تزال مستمرة، وقد فشلت بفضل الله ورحمته الواحدة تلو الأخرى، هذه العقبات فاقت مئات المرات ما كان أمامنا قبل سقوط نظام الشاه. لابدّ من التحلّی بالیقظة وبدفع عجلة الثورة خطوة فخطوة حتى آخر المراحل ضمن برنامجٍ متوسطِ الأمد وطویلِ الأمد.

نظام طواغیت مصر كان أول حكومة عربیة خانت القضیة الفلسطینیة وفتح الطریق أمام التراجع العربی، حتى أن الأنظمة العربیة إلا واحداً – هو سوریا – باعوا فلسطین، واتجهوا إلى مصالحة الصهیونیة. إن النظام المصری البائد كان أحد نظامین عربیین هما موضع ثقة أمریكا وإسرائیل. والرئیس الأمریكی المرائی الحالی اختار مصر حسنی مبارك لیوجّه رسالة الخداع والنفاق إلى المسلمین، لكن الشعب المصری فی ثورته أعلن موقفه بوضوح، وأزال الأوهام من أذهان الجمیع.

إن مصر الیوم یجب أن تستعید دورها فی الخط المقدم للدفاع عن القضیة الفلسطینیة، وأن تسحق بأقدامها معاهدة كمب دیفید الخیانیة وتحرقها. مصر الثورة لم تعد تستطیع أن تغدق بالطاقة والغاز على الكیان المتدهور الإسرائیلی على حساب قوت الشعب المصری ومعاناته.

أما مخاطبنا الثالث فهم الأحزاب والنُخب السیاسیة فی مصر وسائر البلدان الناهضة.

إن المفكرین والمناضلین الإسلامیین فی شمال أفریقیا من مصر وتونس وحتى الجزائر والمغرب، وخاصة مصر،كانوا یحتلون مكانة الأبوّة الفكریة للصحوة الإسلامیة، ولدعاة وحدة الأمة وعزّتها، ثم لتحریر القدس. أنتم الیوم ترثون دماء آلاف الشهداء وعشرات الآلاف ممن عانوا زنزانات السجون والنفی والتعذیب، وما بذله المجاهدون والمناضلون ممن قدموا التضحیات خلال عقود متوالیة فی انتظار بزوغ فجر مثل هذه الأیام وهذه الانتصارات.

أیها الإخوة والاخوات. حافظوا على هذه الأمانة الكبرى. الغرور والسذاجة آفتان كبیرتان لمرحلة ما بعد الانتصار الأول. أنتم تتحملون المسؤولیة الأكبر فی ساحة إقامة النظام وصیانة مكتسبات الشعب وحلّ مشاكل النهضة. القوى العالمیة والإقلیمیة التی نزلت بها الضربة تخامر ذهنَها دون شك أفكار شیطانیة من التفكیر بالحذف والانتقام إلى مشروع ممارسة المكر والتزلزل والإخافة والتطمیع بحقكم، وبالنهایة تفكر فی الإطاحة بالثورات وخلق أوضاع أسوأ مما كانت علیه و العیاذ بالله.

إن قراراتكم ومواقفكم وإقداماتكم ستكون لها أبعاد تاریخیة، وهذه المرحلة هی «لیلة القدر» فی تاریخ بلدانكم.

لا تثقوا بأمریكا والناتو. هؤلاء لا یفكرون بمصالحكم ومصالح شعبكم. وكذلك لا ترهبوهم. فهؤلاء واهون ویزدادون ضعفًا بسرعة. حاكمیتهم على العالم الإسلامی كانت فقط نتیجة خوفنا وجهلنا خلال مائة وخمسین عامًا. فلا تعقدوا علیهم الآمال، ولا تخافوهم . اعتمدوا فقط على الله سبحانه و ثقوا فقط بشعبكم . هؤلاء انهزموا فی العراق وخرجوا بخفّی حنین. وفی أفغانستان لم یكسبوا شیئًا، وفی لبنان انهزموا أمام حزب الله، وفی غزّة أمام حماس. وها هم الآن ینزلون من صیاصیهم فی مصر وتونس بید الشعب. لم یتحقق أی تقدم فی برنامجهم. الصنم الغربی قد انهزم مثل الصنم الشیوعی وانهار جدار خوف الشعوب، فاحذروا أن یعیدوا إلیكم الشعور بالخوف فی المستقبل.

إحذروا ألاعیبهم، وكذلك احذروا ألاعیب الدولارات النفطیة لعملاء الغرب وحلفائه من العرب، إذ سوف لا تخرجون بسلام فی المستقبل من هذه الألاعیب. إسرائیل زائلة لا محالة ولا ینبغی أن تبقى وسوف لا تبقى بإذن الله تعالى. بدء الانحراف فی الثورات الراهنة هو الرضوخ لبقاء الكیان الصهیونی، ومواصلة محادثات الاستسلام التی وضعت أساسها الأنظمة الساقطة.

المطلب الأساس لشعوبكم العودة إلى الإسلام، وهو لا یعنی طبعًا العودة إلى الماضی. لو أن الثورات حافظت بإذن الله على طابعها الحقیقی واستمرت ولم تتعرض للتآمر أو الاستحالة، فإن المسألة الأساس لكم هی كیفیة إقامة النظام وتدوین الدستور وإدارة شؤون البلاد والثورات. وهذه هی نفسها مسألة إعادة بناء الحضارة ا لإسلامیة فی العصر الحدیث.

فی هذا الجهاد الكبیر، مهمتكم الأصلیة ستكون جبران ما عاناه بلدكم فی حقب التخلف، والاستبداد، والابتعاد عن الدین، والفقر، والتبعیة، فی أقصر مدّة بإذن الله، وستكون كیفیة بناء مجتمعكم بتوجّه إسلامی وبأسلوب حاكمیة الشعب مع مراعاة العقلانیة والعلم، وتتجاوزوا التهدیدات الخارجیة واحدة بعد أخرى، وكیف تؤسسون «الحریة والحقوق الاجتماعیة» بدون اللیبرالیة، و«المساواة» بدون «الماركسیة»، و«النَّظم والانضباط» بدون «الفاشیة الغربیة». حافظوا على التزامكم بالشریعة الإسلامیة التقدمیة دون أن تقعوا فی جمود وتحجّر، واعرفوا كیف تكونون مستقلین دون أن تنزووا، وكیف تتطورون دون أن تكونوا تابعین، وكیف تمارسون الإدارة العلمیة دون أن تكونوا علمانیین ومحافظین.

تجب إعادة قراءة التعاریف وإصلاحها. الغرب یقترح علیكم نموذجین: «الإسلام التكفیری» و«الإسلام العلمانی»، وسوف یواصل التلویح بذلك كی لا یستقوی الإسلام الأصولی المعتدل والعقلانی بین ثورات المنطقة. استعیدوا تعریف الكلمات مرة أخرى وبدقّة.

إذا كانت «الدیمقراطیة» بمعنى الشعبیة والانتخابات الحرة فی إطار أصول الثورات فلتكونوا جمیعاً دیمقراطیین. وإذا كانت بمعنى السقوط فی شراك اللیبرالیة الدیمقراطیة التقلیدیة ومن الدرجة الثانیة فلا یكن أحد دیمقراطیاً.

و«السلفیة» إذا كانت تعنی العودة إلى أصول القرآن والسنة والتمسك بالقیم الأصیلة ومكافحة الخرافات والانحرافات وإحیاء الشریعة ورفض التغرّب فلتكونوا جمیعًا سلفیین، وإذا كانت بمعنى التعصّب والتحجّر والعنف فی العلاقة بین الأدیان أو المذاهب الإسلامیة فإنها لا تنسجم مع روح التجدید والسماحة والعقلانیة التی هی من أركان الفكر والحضارة الإسلامیة، بل ستكون داعیة لرواج العلمانیة والتخلّی عن الدین.

كونوا متشائمین من الإسلام الذی تطلبه واشنطن ولندن وباریس، سواء من النوع العَلمانی المتغرّب، أو من نوعه المتحجّر والعنیف. لا تثقوا بإسلام یتحمّل الكیان الصهیونی لكنه یواجه المذاهب الإسلامیة الأخرى دونما رحمة، ویمدّ ید الصلح تجاه أمریكا والناتو لكنه یعمد فی الداخل إلى إشعال الحروب القبلیة والمذهبیة. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنین رحماء بالكافرین.

كونوا متشائمین من الإسلام الأمریكی والبریطانی إذ إنه یدفعكم إلى شَرَك الرأسمالیة الغربیة والروح الاستهلاكیة والانحطاط الأخلاقی.

فی العقود الماضیة كانت النخب وكذلك الحكام یفخرون بمقدار قوة تبعیتهم لفرنسا وبریطانیا وامریكا أو الاتحاد السوفیتی السابق، وكانوا یفرون من النموذج الإسلامی، والأمر الیوم على عكس ذلك.

اعلموا أن الغرب سیكون فی صدد الانتقام.. الانتقام الاقتصادی والعسكری والسیاسی والإعلامی.

لو أن شعوب مصر وتونس ولیبیا وغیرها من الشعوب واصلت طریقها نحو الله بإذن الله فمن الممكن أن تتعرض لهذه التهدیدات.

وأما الكلام الأخیر، فهو إعلان استعداد الجمهوریة الإسلامیة والشعب الإیرانی الكبیر لخدمتكم والتعاون معكم و خدمة بعضنا البعض.

الثورة الإسلامیة الإیرانیة هی التجربة الإسلامیة الأكثر نجاحًا فی العصر الحدیث على صعید إعادة الثقة بالنفس إلى الجماهیر، وإعادة الثقة إلى النخب بالجماهیر، وعلى صعید رفض أسطورة القوة التی لا تقهر للأنظمة الطاغوتیة وأربابها، وفی ساحة كسر غرور الشیوعیة والرأسمالیة، وتقدیم نماذج فاعلة للتطورات الكبرى فی البلاد، مع حفظ سیادة الشعب والدفاع عن القیم الأساسیة.

أیها الإخوة و الأخوات، لسنوات یوجهون إلیكم أكاذیب بشأن إخوتکم الإیرانیین، والحقیقة بشأن إیران الإسلام هی هذه التی أبینها لكم:

ثورتنا حقّقت انتصارات فی العقود الثلاثة الأخیرة، وكانت لها نقاط ضعف أیضًا. لكن أیة نهضة إسلامیة فی العالم بعد سیطرة الغرب والشرق على المسلمین فی القرن الماضی لم تتقدم إلى هذا الحد ولم تتجاوز كل هذه الموانع.

لنا معكم أیها الإخوة حدیث طویل فی المستقبل إن شاء الله. فی الإعلام الرأسمالی وأبواق الصهیونیة العالمیة «إیران» متهمة بالإرهاب ،‌وما ذلك إلا لأنها رفضت أن تترك الإخوة العرب فی فلسطین ولبنان والعراق لوحدهم وأن تعترف بالمحتلین، والحال أننا أكبر ضحیة للإرهاب فی العالم، وهذا الإرهاب لا یزال مستمرًا بحقنا.

لو أن الثورة الإسلامیة والجمهوریة الإسلامیة قد تركت الإخوة المظلومین فی أفغانستان والبوسنة ولبنان والعراق وفلسطین لشأنهم كما فعلت سائر الحكومات المتظاهرة بالإسلام، ولو كنا مثل أكثر الأنظمة العربیة التی خانت القضیة الفلسطینیة، قد آثرنا السكوت وطعنّا من الخلف، لما وصمونا بمساندة الإرهاب والتدخل. نحن نفكر بتحریر القدس الشریف وكل الأرض الفلسطینیة،‌هذه هی الجریمة الكبرى التی یرتكبها الشعب الإیرانی والجمهوریة الإسلامیة!!

إنهم یتحدثون عن التمدد الإیرانی والشیعی، بینما لم نعتبر الثورة الإسلامیة إطلاقًا شیعیة صرفة أو قومیة وإیرانیة، ولن نعتبرها كذلك أبدًا. خلال العقود الثلاثة ما دفعنا ثمنه وتعرضنا من أجله للتهدید إنما هو توجهنا الإسلامی وانتماؤنا إلى الأمة الإسلامیة وشعار الوحدة والتقریب المذهبی والحریة والعزّة للمسلمین جمیعًا من شرق آسیا حتى عمق أفریقیا وأوربا.

إیران الإسلام قطعت خطوات رحبة فریدة فی ساحة العلم والتقانة والحقوق الاجتماعیة والعدالة الاجتماعیة والتنمیة والصحة وتأمین كرامة المرأة وحقوق الأقلیات الدینیة وغیرها من الساحات. ونحن نعرف أیضاً مواضع ضعفنا وبعون الله وقوته نعمل على علاجها إن شاء الله.

معادلة المقاومة فی المنطقة قد تغیرت بمساعدة الجمهوریة الإسلامیة، وارتقاء الحجر فی ید الفلسطینیین إلى «صاروخ فی جواب الصاروخ» فی غزة وسائر فصائل المقاومة الإسلامیة أمام المحتلین.

إیران لا تستهدف نشر التوجّه الإیرانی أو الشیعی بین المسلمین. إیران تنهج طریق الدفاع عن القرآن والسنة وإحیاء الأمة الإسلامیة. الثورة الإسلامیة تعتقد أن مساعدة المجاهدین من أهل السنّة فی منظمات حماس والجهاد، والمجاهدین الشیعة فی حزب الله و أمل واجبًا شرعیًا وتكلیفًا إلهیًا دونما تمییز بین هذا وذاك. وحكومة إیران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمین (لا بالغلبة والتناحر المذهبی)، وبالأخوة الإسلامیة (لا بالتعالی القومی والعنصری)، وبالجهاد الإسلامی (لا بالعنف تجاه الآخر)، وهی ملتزمة بذلك إن شاء الله.

أسأل الله سبحانه أن یمنَّ على كل الشعوب المسلمة بالسعادة والسؤدد، وأن یوفقنا لفهم مسؤولیاتنا الثقیلة والنهوض بها، وأن نعلم بیقین أن الله غالب على أمره.

عباد الله اتقوا الله وكونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.أقول قولی هذا وأستغفر الله لی ولكم.

بسم الله الرحمن الرحیم.. إذا جاء نصر الله و الفتح و رأیت الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً فسبّح بحمد ربّک و استغفره إنه کان تواباً.

و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته
ارسال نظر برای این مطلب

کد امنیتی رفرش
اطلاعات کاربری
  • فراموشی رمز عبور؟
  • آرشیو
    آمار سایت
  • کل مطالب : 95
  • کل نظرات : 8
  • افراد آنلاین : 1
  • تعداد اعضا : 0
  • آی پی امروز : 13
  • آی پی دیروز : 8
  • بازدید امروز : 46
  • باردید دیروز : 25
  • گوگل امروز : 0
  • گوگل دیروز : 0
  • بازدید هفته : 75
  • بازدید ماه : 127
  • بازدید سال : 240
  • بازدید کلی : 3,427